الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ظهور السلطان ملكشاه والخطبة له ببغداد. كان السلطان بركيارق قد ولى على خراسان وأعمالها أخاه لأبيه سنجر فاستقل بأعمال خراسان كما يذكر في أخبار دولتهم عند انفرادها بالذكر وإنما نذكر هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة والخطبة لهم ببغداد لأن مساق الكلام هنا إنما هو عن أخبار دولة بني العباس ومن وزر لهم أو تغلب خاصة وكان لسنجر بن ملكشاه أخ شقيق اسمه محمد ولما هلك السلطان ملكشاه سار مع أخيه محمود وتركمان خاتون إلى أصبهان فلما حاصرهم بركيارق لحق به أخوه محمد هذا وسار معه إلى بغداد سنة ست وثمانين وأقطعه دجلة وأعمالها وبعث معه قطلغ تكين أتابك فلما استوى على أمره قتله أنفة من حجره ثم لحق به مؤيد الملك بن عبيد الله بن نظام الملك كان مع الأمير أنز وداخله في الخلاف على السلطان بركيارق فلما قتل أنز كما نذكر في أخبارهم لحق مؤيد الملك بمحمد بن السلطان ملك شاه وأشار عليه ففعل وخطب لنفسه واستوزر مؤيد الملك وقارن ذلك أن السلطان بركياق قتل خاله مجد الملك البارسلاني فاستوحش منه أمراؤه ولحقوا بأخيه محمد وسار بركيارق إلى الري واجتمع له بها عساكر وجاء عز الملك منصور بن نظام الملك في عساكر وبينما هو في الري إذ بلغه مسير أخيه محمد إليه فأجفل راجعا إلى أصبهان فمنعه أهلها الدخول فسار إلى خوزستان وجاء السلطان محمد إلى الري أول ذي القعدة من سنة اثنتين وتسعين ووجد أم بركيارق بها وهي زبيدة خاتون فحبسها مؤيد الملك وقتلها واستفحل ملك محمد وجاءه سعد الدولة كوهرابين شحنة بغداد وكان مستوحشا من بركيارق وجاء معه كربوقا صاحب الموصل وجكرمش صاحب جزيرة ابن عمر وسرخاب ابن بدر صاحب كركور فلقوه جميعا بقم وسار كربوقا وجكرمش معه إلى أصبهان ورد كوهرابين إلى بغداد في طلب الخطبة من الخليفة وأن يكون شحنة بها فأجابه المستظهر إلى ذلك وخطب له منتصف ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين ولقب غياث الدنيا والدين..اعادة الخطبة لبركيارق. لما سار بركيارق مجفلا من الري إلى خوزستان أمام أخيه محمد وأمير عسكره يومئذ ينال بن أنوش تكين الحسامي ومعه جماعة من الأمراء أجمع المسير إلى العراق فسار إلى واسط وجاءه صدقة بن مزيد صاحب الحلة ثم سار إلى بغداد فخطب له بها منتصف صفر من سنة ثلاث وتسعين ولحق سعد الدولة كوهرابين ببعض الحصون هنالك ومعه أبو الغازي بن أرتق وغيره من الأمراء وأرسل إلى السلطان محمد ووزيره مؤيد الملك يستحثهما في الوصول فبعث إليه كربوقا صاحب الموصل وجكرمش صاحب الجزيرة فلم يرضه وطلب جكرمش العود إلى بلده فأطلقه ثم نزع كوهرابين ومن معه من الأمراء إلى بركيارق باغزاء كربوقا صاحب الموصل وكاتبوه فخرج إليهم ودخلوا معه بغداد واستوزره الأغر أبو المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني وقبض على عميد الدولة ابن جهير وزير الخليفة وطالبه بأموال ديار بكر والموصل في ولايته وولاية أبيه وصادره على مائة وستين ألف دينار فحملها إليه وخلع المستظهر على السلطان بركيارق واستقر أمره..المصاف الأول بين بركيارق ومحمد وقتل كوهرابين والخطبة لمحمد. ثم سار بركيارق من بغداد إلى شهرزور لقتال أخيه محمد واجتمع إليه عسكر عظيم من التركمان وكاتبه رئيس همذان بالمسير إليه فعدا عنه ولقي أخاه محمدا على فراسخ من همذان ومحمد في عشرين ألف مقاتل ومعه الأمير سرخو شحنة أصبهان وعلى ميمنته أمير آخر وابنه أياز وعلى ميسرته مؤيد الملك والنظامية ومع بركيارق في لقلب وزيره أبو المحاسن وفي ميمنته كوهرابين وصدقة بن مزيد وسرخاب بن بدر وفي ميسرته كربوقا وغيره من الأمراء فحمل كوهرابين من ميمنة بركيارق على ميسرة محمد فانهزموا حتى نهبت خيامهم ثم حملت ميمنة محمد على ميسرة بركيارق فانهزمت وحمل محمد معهم فانهزم بركيارق ورجع كوهرابين للمنهزمين فكبا به فرسه وقتل وافترقت عساكر بركيارق وأسر وزيره أبو المحاسن فأكرمه مؤيد الملك وأنزله وأعاده إلى بغداد ليخاطب المستظهر في إعادة الخطبة للسلطان محمد ففعل وخطب له ببغداد منتصف رجب سنة ثلاث وتسعين وابتداء أمر كوهرابين أنه كان لامرأة بخوزستان وصار خادما للملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة وحظي عنده وكان يستعرض حوائج تلك المرأة وأصاب أهلها منه خيرا وأرسله أبو كاليجار مع ولده أبي نصر إلى بغداد فلما قبض عليه السلطان طغرلبك مضى معه إلى محبسه بقلعة طبرك ولما مات أبو نصر سار إلى خدمة السلطان ألب أرسلان فحظي عنده وأقطعه واسط وجعله شحنة بغداد وكان حاضرا معه يوم قتله يوسف الخوارزمي ووقاه بنفسه ثم بعثه ابنه ملك شاه إلى بغداد لإحضار الخلع والتقليد واستقر شحنة ببغداد إلى أن قتل ورأى ما لم يره خادم قبله من نفوذ الكلمة وكمال القدرة وخدمة الأمراء والأعيان وطاعتهم انتهى.
|